zoma_zoza عضو مميز
عدد المساهمات : 143 تاريخ التسجيل : 31/08/2010 العمر : 36 الموقع : https://leilynahary.yoo7.com/forum.htm
| موضوع: إسماعيل : عليه السلام السبت سبتمبر 04, 2010 4:39 pm | |
| كان إبراهيم -عليه السلام- يحب أن تكون له ذرية صالحة تعبد الله -عز وجل- وتساعده في السعي على مصالحه، فعلمت السيدة سارة ما
يريده زوجها، وكانت عاقرًا لا تلد فوهبت له خادمتها هاجر ليتزوجها؛ لعلها تنجب له الولد، فلما تزوجها إبراهيم -عليه السلام- حملت منه، وأنجبت له إسماعيل، وبعد مرور فترة من ولادة إسماعيل أمر الله -عز وجل- إبراهيم أن يذهب بزوجته هاجر وولده إلى مكة، فاستجاب إبراهيم لأمر ربه، وسار بهما حتى وصلوا إلى جبال مكة عند موضع بناء الكعبة، وظل معهما فترة قصيرة، ثم تركهما في هذا المكان وأراد العودة إلى الشام، فلما رأته زوجته هاجر عائدًا أسرعت خلفه، وتعلقت بثيابه، وقالت له: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟! فلم يرد عليها إبراهيم -عليه السلام- وظل صامتًا، فألحت عليه زوجته هاجر، وأخذت تكرر السؤال نفسه، لكن دون فائدة، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ فقال إبراهيم: نعم، فقالت هاجر: إذن لن يضيعنا، ثم رجعت.
وسار إبراهيم -عليه السلام- وترك زوجته وولده، وليس معهما من الطعام والماء إلا القليل، ولما ابتعد عنها إبراهيم، رفع يده داعيًا ربه فقال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} [إبراهيم:37] ثم واصل السير إلى الشام، وظلت هاجر وحدها، ترضع ابنها إسماعيل، وتشرب من الماء الذي تركه لها إبراهيم حتى نفد ما في السقاء، فعطشت، وعطش ابنها فتركته وانطلقت تبحث عن الماء، بعدما بكى الطفل بشدة، وأخذ يتلوى، ويتمرغ أمامها من شدة العطش.
وأخذت هاجر تمشي حتى وصلت إلى جبل الصفا، فصعدت إليه ثم نظرت إلى الوادي يمينًا ويسارًا؛ لعلها ترى بئرًا أو قافلة مارة من الطريق فتسألهم الطعام
أو الماء، فلم تجد شيئًا، فهبطت من الصفا، وسارت في اتجاه جبل المروة فصعدته وأخذت تنظر بعيدًا لترى مُنقِذًا ينقذها هي وابنها مما هما فيه، إلا أنها لم تجد شيئًا كذلك، فنزلت من جبل المروة صاعدة جبل الصفا مرة أخرى لعلها تجد النجاة وظلت هكذا تنتقل من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا سبع مرات.
وقد أصبح هذا السعي شعيرة من شعائر الحج، وذلك تخليدًا لهذه الذكرى، قال تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرًا فإن الله شاكر عليم } [البقرة:158] وبعد أن تعبت هاجر، وأحست بالإجهاد والمشقة، عادت إلى ابنها دون أن يكون معها قطرة واحدة من الماء، وهنا أدركتها رحمة الله -سبحانه- فنزل الملك
جبريل -عليه السلام- وضرب الأرض، فتفجرت وتدفقت منها بئر زمزم وتفجر منها ماء عذب غزير، فراحت هاجر تغرف بيدها وتشرب وتسقى ابنها، وتملأ سقاءها، وشكرت الله -عز وجل- على نعمته، وعلى بئر زمزم التي
فجرها لها.
ومرت أيام قليلة، وجاءت قافلة من قبيلة جرهم -وهي قبيلة عربية يمنية- فرأت طيرًا يحوم فوق مكان هاجر وابنها، فعلموا أن في ذلك المكان ماء، فأقبلوا نحو المكان الذي يطير فوقه الطير، فوجدوا بئر زمزم فتعجبوا من وجودها في هذه المكان، ووجدوا أم إسماعيل تجلس بجواره، فذهبوا إليها، وعرفوا قصتها فاستأذنوها في الإقامة بجوار هذه البئر، فأذنت لهم، وعاشت معهم هي وابنها وتعلم منهم إسماعيل اللغة العربية، وأخذت هاجر تربي ابنها إسماعيل تربية حسنة وتغرس فيه الخصال الطيبة والفضائل الحميدة، حتى كبر قليلاً، وصار يسعى في مصالحه لمساعدة أمه.
وكان إبراهيم -عليه السلام- يزور هاجر وولده إسماعيل من حين لآخر لكي يطمئن عليهما، وذات يوم رأى إبراهيم في منامه أنه يذبح ابنه إسماعيل الذي جاء بعد شوق طويل، فلما قام من نومه، علم أن ما رآه ما هو إلا أمر من الله؛ لأن رؤيا الأنبياء حق، فذهب إبراهيم إلى ابنه، وقال له: {يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} [الصافات:102] فقال إسماعيل: {يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} [الصافات:102]..
وأخذ إبراهيم ابنه إسماعيل وذهب به إلى مِنَى ثم ألقاه على وجهه كي لا يرى وجهه عند الذبح، فيتأثر بعاطفة الأبوة، واستسلم إسماعيل لأمر الله ووضع إبراهيم السكين على رقبة ابنه إسماعيل ليذبحه، وقبل أن يمر السكين سمع إبراهيم نداء الله تعالى يقول له: {يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إن كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين} [الصافات:104-106] وبعد لحظات من النداء الإلهي رأى إبراهيم الملك جبريل -عليه السلام- ومعه كبش عظيم، فأخذه إبراهيم وذبحه بدلاً من ابنه إسماعيل.
لقد أراد الله -عز وجل- أن يختبر إبراهيم في التضحية بابنه إسماعيل، فلما وجده قد امتثل لأمره دون كسل واعتراض كشف الله هذا البلاء، وفدى إسماعيل بكبش عظيم، وقد أصبح يوم فداء إسماعيل وإنقاذه من الذبح عيدًا للمسلمين يسمي بعيد الأضحى، يذبح فيه المسلمون الذبائح تقربًا إلى الله وتخليدًا لهذه الذكري الطيبة، وعاد إبراهيم بولده إلى البيت، ففرحت الأم بنجاة ولدها فرحًا شديدًا، وكبر إسماعيل حتى أصبح شابًّا قويًّا، وتزوج امرأة من إحدى القبائل التي استقرت حول بئر زمزم.
وذات يوم زار إبراهيم -عليه السلام- ابنه إسماعيل، فلم يجده في بيته، ووجد زوجته وكانت لا تعرفه، فسألها إبراهيم عن زوجها إسماعيل، فقالت: خرج يبتغي لنا رزقًا، فسألها عن عيشهم، فقالت: إننا نعيش في ضيق وشدة، فقال إبراهيم : إذا جاء زوجك مريه أن يغير عتبة بابه، فلما عاد إسماعيل سأل زوجته: هل زارنا أحد اليوم؟ قالت له: نعم، زارنا شيخ صفته كذا وكذا، فقال إسماعيل: هل قال لك شيئًا؟قالت: سألني عنك وعن حالتنا وعيشتنا، فقال لها: وماذا قلت له؟ قالت: قلت له: إننا نعيش في ضيق وشدة، فقال إسماعيل: وهل أوصاك بشيء؟ قالت: قال لي: قولي لزوجك عندما يعود أن يغير عتبة بابه، فقال إسماعيل: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، فألحقي بأهلك فطلقها إسماعيل، وتزوج بغيرها.
ومرت فترة من الزمن، ثم عاد إبراهيم لزيارة ابنه إسماعيل، ولم يجده أيضًا، ووجد زوجته، وكانت هي أيضا لا تعرفه، فسألها أين زوجك إسماعيل؟ قالت له: خرج يبتغي لنا رزقًا، فقال إبراهيم: وكيف أنتم؟ قالت: نحن بخير وسعة، ففرح إبراهيم بهذه الزوجة، واطمأن لحالها، فقال لها: إذا جاء زوجك فاقرئي له مني السلام ومريه أن يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل أخبرته زوجته بما حدث، وأثنت على إبراهيم، فقال إسماعيل: ذاك أبي وأمرني أن أمسكك. [البخاري].
وعاد إبراهيم إلى فلسطين، وظل بها مدة طويلة يعبد الله -عز وجل- ثم ذهب لزيارة إسماعيل، فوجده يبري نبلاً له قرب بئر زمزم، فلما رآه إسماعيل قام إليه واحتضنه واستقبله أحسن استقبال، ثم قال إبراهيم لابنه: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمرٍ. فقال إسماعيل: اصنع ما أمرك به ربك، فقال إبراهيم: وتعينني عليه؟ قال إسماعيل: وأعينك عليه، فقال إبراهيم: إن الله أمرني أن أبني هنا بيتًا، كي يعبده الناس فيه، فوافق إسماعيل أباه، وبدأ ينقل معه الحجارة اللازمة لبناء هذا
البيت، وكان إبراهيم يبني، وإسماعيل يعينه، حتى إذا ما ارتفع البناء واكتمل جاء جبريل بحجر من الجنة، وأعطاه لإبراهيم، ليضعه في الكعبة، وهو ما يسمى بالحجر الأسود.
وبعد أن انتهى إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- من بناء الكعبة وقفا يدعوان ربهما: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم} [البقرة:127-128] وقد أثنى الله على نبيه إسماعيل -عليه السلام- ووصفه بالحلم والصبر وصدق الوعد، والمحافظة على الصلاة، وأنه كان يأمر أهله بأدائها، قال تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيًّا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيًّا} [مريم:54-55].
وكان إسماعيل رسولاً إلى القبائل التي سكنت واستقرت حول بئر زمزم، وأوحى الله إليه، قال تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} [البقرة:163] وقال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} [النساء:163] وكان إسماعيل -عليه السلام- أول من رمى بسهم، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشجع الشباب على الرمي بقوله: (ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا) [البخاري].
وإسماعيل -عليه السلام- هو جد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو العرب، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) [مسلم.
عدل سابقا من قبل zoma_zoza في السبت سبتمبر 04, 2010 4:47 pm عدل 1 مرات | |
|
zoma_zoza عضو مميز
عدد المساهمات : 143 تاريخ التسجيل : 31/08/2010 العمر : 36 الموقع : https://leilynahary.yoo7.com/forum.htm
| موضوع: موسى وهارون : عليهما السلام السبت سبتمبر 04, 2010 4:45 pm | |
| في الزمن الماضي كان يعيش في مصر ملك جبار طاغية، يعرف بفرعون، استعبد قومه وطغى عليهم، وقسم رعيته إلى عدة أقسام، استضعف طائفة منهم، وأخذ في ظلمهم واستخدامهم في أخس الأعمال شرفًا ومكانة، وهؤلاء هم بنو إسرائيل الذين يرجع نسبهم إلى نبي الله يعقوب-عليه السلام- وقد دخلوا مصر عندما كان سيدنا يوسف -عليه السلام- وزيراً عليها.
وحدث أن فرعون كان نائمًا، فرأى في منامه كأن نارا أقبلت من بيت المقدس، فأحرقت مصر جميعها إلا بيوت بني إسرائيل، فلما استيقظ، خاف وفزع من هذه الرؤيا، فجمع الكهنة والسحرة وسألهم عن تلك الرؤية فأخبروه بأن غلامًا سيولد في بني إسرائيل، يكون سببا لهلاك أهل مصر، ففزع فرعون من هذه الرؤيا العجيبة، وأمر بقتل كل مولود ذكر يولد في بني إسرائيل، خوفا من أن يولد هذا الغلام.
ومرت السنوات، ورأى أهل مصر أن بني إسرائيل قل عددهم بسبب قتل الذكور الصغار، فخافوا أن يموت الكبار مع قتل الصغار، فلا يجدون من يعمل في أراضيهم، فذهبوا إلى فرعون وأخبروه بذلك، ففكر فرعون، ثم أمر بقتل الذكور عامًا، وتركهم عامًا آخر.
فولد هارون في العام الذي لا يُقتل فيه الأطفال. أما موسى فقد ولد في عام القتل، فخافت أمه عليه، واحتار تفكيرها في المكان الذي تضعه فيه بعيدًا عن أعين جنود فرعون الذين يتربصون بكل مولود من بني إسرائيل لقتله، فأوحى الله إليها أن ترضعه وتضعه في صندوق، ثم ترمي هذا الصندوق في النيل إذا جاء الجنود، قال تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)[القصص: 7].
فجهزت صندوقًا صغيرًا، وأرضعت ابنها، ثم وضعته في الصندوق، وألقته في النيل عندما جاء جنود فرعون، وأمرت أخته بمتابعته، والسير بجواره على البر لتراقبه، وتتعرف على المكان الذي استقر فيه الصندوق.
وظل الصندوق طافيًا على وجه النهر وهو يتمايل يمينًا ويساراً، تتناقله الأمواج من جهة إلى أخرى، ثم استقرت به تلك الأمواج ناحية قصر فرعون الموجود على النيل، ولما رأت أخته ذلك أسرعت إلى أمها لتخبرها بما حدث. وكانت السيدة آسية زوجة فرعون تمشي في حديقة القصر كعادتها، ويسير من خلفها جواريها، فرأت الصندوق على شاطئ النهر من ناحية القصر، فأمرت جواريها أن يأتين به، ثم فتحنه أمامها، ونظرت آسية في الصندوق، فوقع نظرها على طفل صغير، فألقى الله في قلبها محبة هذا الطفل الصغير.
وكانت آسية عقيمًا لا تلد، فأخذته وضمته إلى صدرها ثم قبلته، وعزمت على حمايته من القتل والذبح، وذهبت به إلى زوجها، وقالت له في حنان ورحمة: (قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون)[القصص: 9].فلما رأى فرعون تمسك زوجته بهذا الطفل، وافق على طلبها ولم يأمر بقتله، واتخذه ولدًا.
ومرت ساعات قليلة وزوجة فرعون تحمل الطفل فرحة مسرورة به، تضمه إلى صدرها وتقبله، وفجأة بكى موسى بشدة، فأدركت السيدة آسية أنه قد حان وقت رضاعته فأمرت بإحضار مرضعة لترضعه، وتهتم بأمره، فجاء إلى القصر عدد كثير من المرضعات، لكن الطفل امتنع عن أن يرضع منهن، مما جعل أهل القصر ينشغلون بهذا الأمر، واشتهر هذا الأمر بين الناس، فعرفت أخته بذلك، فذهبت إلى القصر، وقابلت السيدة آسية زوجة فرعون، وأخبرتها أنها تعلم مرضعة تصلح لهذا الطفل. ففرحت امرأة فرعون، وطلبت منها أن تسرع، وتأتي بتلك المرضعة، فذهبت إلى أمها فوجدتها حزينة على ابنها حزنًا كبيرًا، فأخبرتها بما حدث بينها وبين زوجة فرعون، فهدأت نفس أم موسى وارتاح بالها.
ذهبت أم موسى مع ابنتها إلى قصر فرعون، ولما دخلته أتوها بالرضيع، وبمجرد أن قدمت له ثديها أقبل عليه الطفل وشرب وارتوى، وأخذت الأم ابنها إلى بيته الذي ولد فيه، فعاش موسى فترة رضاعته مع أبيه وأمه وإخوته، ولما عاد إلى قصر فرعون اهتموا بتربيته تربية حسنة، فنشأ وتربى كأبناء الملوك والأمراء قويًّا جريئًا متعلماً.
كبر موسى، وصار رجلاً قويًّا شجاعًا، وذات يوم، كان يسير في المدينة فرأى رجلين يتشاجران، أحدهما من قومه بني إسرائيل، والآخر قبطي من أهل مصر، فاستغاث الإسرائيلي بموسى، فأقبل موسى، وأراد منع المصري من الاعتداء، فدفعه بيده فسقط على الأرض ميتًا، فوجد موسى نفسه في موقف عصيب، لأنه لم يقصد قتل هذا الرجل، بل كان يريد الدفاع عن مظلوم فقط، وحزن موسى، وتاب إلى الله ورجع إليه، وأخذ يدعوه سبحانه أن يغفر له هذا الذنب.
ولكن سرعان ما انتشر الأمر في المدينة، وأخذ الناس يبحثون عن القاتل، ليعاقبوه، فلم يعثروا عليه، ومرت الأيام، وبينما موسى كعادته يسير في المدينة؛ فوجد الرجل الإسرائيلي نفسه يتشاجر مع مصري آخر، واستغاث مرة ثانية بموسى فغضب موسى من هذا الأمر، ثم تقدم ليفض هذا النزاع، فظن الإسرائيلي أن موسى سيقبل عليه؛ ليضربه لأنه غضبان منه، فقال له: (يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس)[القصص: 19].
وعلم المصريون أن موسى هو القاتل، فأخذوا يفكرون في الانتقام منه، وجاء إليه من ينصحه بأن يبتعد عن المدينة. فخرج موسى من المدينة وهو خائف، يتلفت يمينًا ويساراً يترقب أهلها، ويدعو الله أن ينجيه من القوم الظالمين.
خرج موسى وليس في ذهنه مكان معين يتوجه إليه، ثم هداه تفكيره إلى أن يذهب إلى أرض مدين، فتوكل على الله، وواصل السير إليها.
فلما وصل إلى مدين، توجه ناحية شجرة بجوار بئر، وجلس تحتها فوجد فتاتين، ومعهما أغنامهما تقفان بعيدًا عن الازدحام حتى ينتهي الناس، فتقدم موسى منهما، وسألهما عن سبب وقوفهما بعيدًا، فأخبرتاه أنهما لا يسقيان حتى ينتهي الناس من سقي أغنامهم، ويخف الزحام، وقد خرجا يسقيان لأن أباهما شيخ كبير لا يستطيع أن يتحمل مشقة هذا العمل، فتقدم موسى وسقى لهما أغنامهما، ثم عاد مرة أخرى إلى ظل الشجرة ليأخذ المزيد من الراحة بعد عناء السفر. وأخذ يدعو ربه قائلاً: (رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير)
[القصص: 24].
ولما عادت الفتاتان إلى أبيهما، قصتا عليه ما حدث، فأعجب الأب بهذا الرجل الغريب وشهامته ومروءته، وأمر إحدى ابنتيه أن تخرج إليه، وتدعوه للحضور حتى يكافئه، فجاءت إليه إحدى الفتاتين لتخبره بدعوة الأب، فلبى موسى الدعوة، وذهب إلى إحدى الفتاتين لتخبره بدعوة الأب، فلبى موسى الدعوة، وذهب إلى هذا الرجل الصالح، فسأله الرجل عن اسمه وقصته، فقص عليه موسى ما حدث، فطمأنه الشيخ، وطلبت إحدى الفتاتين من أبيها أن يستأجر موسى ليعينهما فهو رجل قوي أمين.
وقد عرض الشيخ على موسى-عليه السلام-أن يزوجه إحدى ابنتيه في مقابل أن يعمل عنده أجيرا لمدة ثماني سنوات، أو عشرًا إذا شاء.
فوافق موسى على هذا الأمر، وتزوج إحدى البنتين، واستمر يرعى الغنم عند ذلك الشيخ عشر سنين، ثم أراد موسى الرحيل والعودة بأهله إلى مصر، فوافق الشيخ الصالح على ذلك، وأكرمه وزوده بما يعينه في طريق عودته إلى مصر.
سار موسى بأهله تجاه مصر، حتى حل عليهم الظلام، فجلسوا يستريحون من أثر هذا السفر، حتى يكملوا المسير بعد ذلك في الصباح، وكان الجو شديد البرودة، فأخذ موسى يبحث عن شيء يستدفئون عليه، فرأى ناراً من بعيد، فطلب من أهله الانتظار؛ حتى يذهب إلى مكان النار، ويأتي منها بشيء يستدفئون به.
توجه موسى وفي يده عصاه ناحية النار التي شاهدها، ولما وصل إليها نداء يقول: (يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى. وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري. إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى. فلا يصدنك نها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى)[طه: 11-16]. ثم سأله الله-عز وجل-عما يحمله في يمينه. فقال موسى: (هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى)[طه: 18].
فأمره الله-عز وجل-أن يلقي هذه العصا، فألقاها فانقلبت العصا وتحولت إلى ثعبان كبير يتحرك ويسير بسرعة، فولى موسى من الخوف هاربًا، فأمره الله
-عز وجل-أن يعود ولا يخاف، وسوف تعود عصا كما كانت أول مرة، فمد موسى يده إلى تلك الحية ليأخذها، فإذا بها عصا كما كانت.
وكان موسى أسمر اللون، فأمره الله-عز وجل-أن يدخل يده في ثيابه ثم يخرجها، فخرجت بيضاء ناصعة البياض، فكانت هاتان معجزتين من الله لنبيه موسى، لتثبيته في رسالته المقبلة إلى فرعون وملئه، ثم أمره الله-عز وجل-بالذهاب إلى فرعون لهدايته وتبليغه الدعوة، فاستجاب موسى لأمر ربه، ولكنه قبل أن يذهب أخذ يدعو ربه بأن يوفقه لما هو ذاهب إليه، ويسأله العون والمدد، فقال: (رب اشرح لي صدري. ويسر لي أمري. واحلل عقدة من لساني. يفقهوا قولي. واجعل لي وزيرًا من أهلي. هرون أخي. اشدد به أزري. وأشركه في أمري. كي نسبحك كثيرًا. ونذكرك كثيرا. إنك كنت بنا بصيرا)[طه: 25-35].
فاستجاب الله-عز وجل-دعاءه، فتذكر موسى أنه قتل رجلاً من المصريين، فخاف أن يقتلوه، فطمأنه الله-سبحانه-بأنهم لن يصيبوه بأذى، فاطمأن موسى.
وعاد موسى إلى مصر، وأخبر أخاه هارون بما حدث بينه وبين الله-عز وجل-، ليشاركه في توصيل الرسالة إلى فرعون وقومه، ويساعده في إخراج بني إسرائيل من مصر، ففرح هارون بذلك، وأخذ يدعو مع موسى ويشاركه في نشر الدعوة.
وكان فرعون شديد البطش والظلم ببني إسرائيل فتوجه هارون وموسى
-عليهما الصلاة والسلام-إلى ربهما يدعوانه بأن ينقذهما من طغيان فرعون. فقال لهما الله تعالى مطمئنًا ومثبتًا: (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى. فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى. إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى)
[طه: 46-48].
فلما ذهب موسى مع أخيه هارون إلى فرعون قاما بدعوته إلى الله، وإخراج بني إسرائيل معهم، لكن فرعون راح يستهزئ بهما، ويسخر منهما، ومما جاءا به، وذكر موسى بأنه هو الذي رباه في قصره وظل يرعاه حتى قتل المصري وفرَّ هاربًا، فأخبره موسى أن الله قد هداه وجعله نبيًّا، لكي يدعوه إلى عبادة الله وطاعته، ولكن فرعون لم يستجب له، فعرض عليه موسى أن يأتي له بدليل يبين له صدق رسالته. فطلب فرعون منه الدليل إن كان صادقًا، فألقى موسى عصاه فتحولت إلى حية كبيرة، فخاف الناس وفزعوا من هذا الثعبان، فمد موسى يده إليها وأخذها فعادت عصا كما كانت. ثم أدخل يده في جيب قميصه ثم أخرجها فإذا هي بيضاء ناصعة البياض.
ولكن فرعون يعلن في قومه أن موسى ساحر، فأشار عليه القوم أن يجمع السحرة من كل مكان لمواجهة موسى وسحره، على أن يكون هذا الاجتماع يوم الزينة، وكان هذا اليوم يوم عيد فرعون وقومه، حيث يجتمع الناس جميعًا، في مكان فسيح أمام قصر فرعون للاحتفال.
وسارع فرعون في إعلان الموعد لجميع الناس، ليشهدوا هذا اليوم، وكتب إلى كل السحرة ليعدوا العدة لذلك اليوم.. وجاء اليوم المنتظر، وتسابق الناس إلى ساحة المناظرة، ليروا من المنتصر؛ موسى أم السحرة؟
وقبل أن يخرج فرعون إلى موسى اجتمع مع السحرة، وأخذ يرغبهم ويعدهم ويمنيهم بآمال عظيمة إذ ما انتصروا على موسى وأخيه وتفوقوا عليهما، وكان السحرة يطمعون فيما عند فرعون من أجر ومكانة.
وبعد لحظات خرج فرعون ومن خلفه السحرة إلى ساحة المناظرة، ثم جلس في المكان الذي أُعد له هو وحاشيته، ووقف السحرة أمام موسى وهارون
-عليهما الصلاة والسلام-.
بعد ذلك رفع فرعون يده إيذانا ببدء المناظرة. وعرض السحرة على موسى أحد أمرين؛ إما أن يلقي عصاه أولاً أو يلقوا عصيهم أولاً. فترك لهم موسى البداية.
فألقى السحرة حبالهم وعصيهم، فسحروا أعين الناس، وتحولت جميع الحبال والعصيان إلى حيات تسعى وتتحرك أمام أعين الحاضرين، فخاف الناس من هول ما يرونه أمامهم، حتى موسى وهارون-عليهما السلام-أصابهما الخوف، فأوحى الله لموسى ألا يخف ويلقي عصاه، فاطمأن موسى وأخوه لأمر الله، ثم ألقى عصاه فتحولت إلى حية عظيمة تبتلع حبال السحرة وعصيهم. فلما رأى السحرة ذلك علموا أنها معجزة من معجزات الله وليست سحرًا، فشرح الله صدورهم للإيمان بالله وتصديق ما جاء به موسى فسجدوا لله الواحد الأحد، معلنين إيمانهم برب موسى وهارون.
وهنا اشتد غيظ فرعون وأخذ يهدد السحرة، ويقول لهم: (آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى)[طه: 71].
لكن السحرة لم يخافوا ولم يفزعوا من كلامه وتهديداته، بعد أن أدخل الله في قلوبهم نور الحق والإيمان، فقالوا: (لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا. إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى. إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى. ومن يأته مؤمنًا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى. جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى)[طه: 72-76]. | |
|